فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

{وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105)}
قوله تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ}: يجوزُ أن يكونَ على إضمار فعل أي: وأُوحي إليَّ أَنْ أقم. ثم لك في أنْ وجهان، أحدهما: أن تكونَ تفسيريةً لتلك الجملةِ المقدرة، كذا قاله الشيخ وفيه نظرٌ، إذ المفسَّرُ لا يجوز حَذْفُه، وقد رَدَّ هو بذلك في موضعٍ غير هذا. والثاني: أن تكونَ المصدرية فتكون هي وما في حَيِّزها في محل رفع بذلك الفعل المقدر. ويحتمل أن تكون أن مصدريةً فقط، وهي على هذا معمولةٌ لقوله: أمرْتُ مراعى فيها معنى الكلام، لأنَّ قوله: أن أكون كونٌ من أكوان المؤمنين، ووصْلُ أَنْ بصيغة الأمرِ جائزٌ، وقد تقدم تحرير بذلك.
وقال الزمخشري: فإن قلت: عَطْفُ قولِه: وأَنْ أقم على أن أكونَ فيه إشكالٌ؛ لأن أنْ لا تخلو: إمَّا أَنْ تكونَ التي للعبارة، أو التي تكونُ مع الفعل في تأويل المصدر، فلا يَصِحُّ أن تكونَ التي للعبارة وإن كان الأمر ممَّا يتضمَّن معنى القول؛ لأن عطفَها على الموصولة يأبى ذلك، والقولُ بكونِها موصولةً مثلَ الأولى لا يساعدُ عليه لفظُ الأمر وهو أَقِمْ؛ لأنَ الصلة حقُّها أن تكونَ جملةً تحتمل الصدق والكذب. قلت: قد سَوَّغ سيبويه أن توصلَ أنْ بالأمر والنهي، وشَبَّهَ ذلك بقولهم: أنت الذي تفعل على الخطابِ لأن الغرضَ وَصْلُها بما تكونُ معه في تأويل المصدر، والأمرُ والنهيُ دالاَّن على المصدر دلالةَ غيرهما من الأفعال. قلت: قد قدَّمْتُ الإِشكال في ذلك وهو أنه إذا قُدِّرَتْ بالمصدرِ فاتت الدلالةُ على الأمر والنهي.
ورجَّح الشيخُ كونَها مصدريةً على إضمار فعل كما تقدم تقريره قال: ليزولَ قَلَقُ العطفِ لوجود الكاف، إذ لو كان {وأنْ أَقِمْ} عطفًا على {أن أكون} لكان التركيب وجهي بياء المتكلم، ومراعاةُ المعنى فيه ضَعْفٌ، وإضمارُ الفعل أكثر.
قوله: {حَنِيفًا} يجوز أن يكونَ حالًا من الذين، وأن يكون حالًا من فاعل أَقِمْ أو مفعوله.
{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106)}
قوله تعالى: {وَلاَ تَدْعُ}: يجوز أن تكونَ هذه الجملةُ استئنافيةً، ويجوز أن تكونَ عطفًا على جملة الأمر وهي: أَقِمْ فتكونَ داخلةً في صلة أنْ بوجهيها، أعني كونَها تفسيريةً أو مصدريةً وقد تقدَّم تحريره. وقوله: {مَا لاَ يَنفَعُكَ} يجوز أن تكون نكرةً موصوفةً، وأن تكونَ موصولةً.
قوله: {فَإِنَّكَ} هو جواب الشرط وإذن حرفُ جوابٍ توسَّطت بين الاسمِ والخبر، ورُتْبَتُها التأخيرُ عن الخبر، وإنما وُسِّطَتْ رَعْيًا للفواصل. وقال الزمخشري: إذن جواب الشرط وجوابٌ لسؤال مقدر، كأن سائلًا سأل عن تَبِعة عبادة الأوثان. وفي جَعْله إذن جزاءً للشرط نظرٌ، إذ جوابُ الشرط محصورٌ في أشياءَ ليس هذا منها. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في الإقامة:
وقد وردت في القرآن على ستَّة أَوجهٍ:
الأَوّل: بمعنى الإِتمام: {وَأَقِيمُوا الصَلاَة} أي أَتمّوها بحقوقها وحدودها.
الثانى: بمعنى استقبال القبلة: {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} أي استقبلوها بها القبلة.
الثالث: بمعنى الإِخلاص في الدّيانَة: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} أي أَخْلِص.
الرّابع: بمعنى عمل الفرائض، وشرائع الكِتاب: {أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ} أي عمِلوا بها.
الخامس: بمعنى التسوية، والعمارة: {جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ} أي سوّاه وعَمَره.
السّادس: بمعنى الاستقرار في الوطن: {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآيتين:
قال عليه الرحمة:
{وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105)} أي أَخْلِصْ قلبَك للدّين، وجَرِّدْ قلبَكَ عن إثبات كلِّ ما لَحِقَه قهرُ التكوين، وكنْ مائلًا عن الزيغ والبدع، وداخِلًا في جُمْلَةٍ مَنْ أخلص في الحقيقة.
{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106)}
لا تعبدْ ما لا تنفعكَ عِبَادتُه ولا تَضُرُّك عبادتُه، وتلك صفة كل ما يعبْد من دون الله. واستعانة الخْلق بالخَلْق تمحيقٌ للوقتِ بلا طائلٍ؛ فَمَنْ لا يَمْلكُ لِنَفْسِه ضَرًّا ولا نَفْعًا كيف يستعين به مَنْ هو في مثل حاله؟ وإذا انضاف الضعيفُ إلى الضعيف ازدادَ الضعفُ. اهـ.

.تفسير الآية رقم (107):

قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ثم قال تعالى عاطفًا على قوله: {فإن فعلت}، {وإن يمسسك الله} أي الذي لا راد لأمره: {بضر} أي أيّ ضر كان على أي وجه كان وإن كان ظاهرًا جدًا بما أنبأ عنه الإظهار: {فلا كاشف له} أي أصلًا بوجه من الوجوه: {إلا هو} لأنه أراده وما أراده لا يكون غيره فلا ترج سواه في أن يبذله بخير، وعبر بالمس لأنه أخوف: {وإن يردك} أي مطلق إرادة: {بخير فلا} أي أصابك لا محالة فإنه لا: {رآد} ونبه على أنه لا يجب عليه سبحانه شيء بأن وضع مكان الضمير قوله: {لفضله} أي عمن يريده به كما يفعل بعض العاتين من أتباع ملوك الدنيا في رد بعض ما يريدون، بل هو بحيث لا ينطق أحد إلا بإذنه فلا تخش غيره، فالآيه من الاحتباك: ذكر المس أولًا دليلًا على إرادته ثانيًا، والإرادة ثانيًا دليلًا على حذفها أولًا، ولم يستثن في الإرادة كما استثنى في الكشف لأن دفع المراد محال، وعبر بالإرادة في الخير وبالمس في الضير تنبيهًا على أنه صلى الله عليه وسلم مراد بالخير بالذات وبالضر بالعرض تطييبًا لقلبه لما تكرر في هذه السورة من الإخبار بإحقاق العذاب على الفاسقين والإيئاس من الظالمين، فلما تقرر ذلك حسن موقع قوله مبينًا لحال ذلك الفضل: {يصيب به} أي بذلك الفضل أو بالذي تقدم من الخير والضير: {من يشاء} أي كائنًا من كان من أدنى وأعلى، وبين العلة في كونهم مقهورين بقوله: {من عباده} وهذا كله إشارة إلى أن ما أوجب الإعراض عن معبوداتهم بانسلاله عنها أوجب الإقبال عليه بثبوته له واختصاصه به، وختم الآية بقوله: {وهو الغفور} أي البليغ الستر للذنوب: {الرحيم} أي البالغ في الإكرام إشارة إلى أن إصابته بالخير لا يمكن أن يكون إلا فضلًا منه بعد الستر للذنوب والرحمة للضعف، فهو الحقيق بأن يعبد؛ والمس: اجتماع التباين من غير نقص، ونظيره المطابقة، والمجامعة نقيضها المباينة؛ والكشف: رفع الستار، جعل الضر كأنه مانع من إدراك الإنسان وساتر له. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أنه سبحانه وتعالى قرر في آخر هذه السورة أن جميع الممكنات مستندة إليه وجميع الكائنات محتاجة إليه، والعقول والهة فيه، والرحمة والجود والوجود فائض منه.
واعلم أن الشيء إما أن يكون ضارًا وإما أن يكون نافعًا، وإما أن يكون لا ضارًا ولا نافعًا، وهذان القسمان مشتركان في اسم الخير، ولما كان الضر أمرًا وجوديًا لا جرم قال فيه: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرّ} ولما كان الخير قد يكون وجوديًا وقد يكون عدميًا، لا جرم لم يذكر لفظ الإمساس فيه بل قال: {وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} والآية دالة على أن الضر والخير واقعان بقدرة الله تعالى وبقضائه فيدخل فيه الكفر والإيمان والطاعة والعصيان والسرور والآفات والخيرات والآلام واللذات والراحات والجراحات، فبين سبحانه وتعالى أنه إن قضى لأحد شرًا فلا كاشف له إلا هو، وإن قضى لأحد خيرًا فلا راد لفضله ألبتة ثم في الآية دقيقة أخرى، وهي أنه تعالى رجح جانب الخير على جانب الشر من ثلاثة أوجه: الأول: أنه تعالى لما ذكر إمساس الضر بين أنه لا كاشف له إلا هو، وذلك يدل على أنه تعالى يزيل المضار، لأن الاستثناء من النفي إثبات، ولما ذكر الخير لم يقل بأنه يدفعه بل قال إنه لا راد لفضله، وذلك يدل على أن الخير مطلوب بالذات، وأن الشر مطلوب بالعرض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم رواية عن رب العزة أنه قال: «سبقت رحمتي غضبي» الثاني: أنه تعالى قال في صفة الخير: {يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} وذلك يدل على أن جانب الخير والرحمة أقوى وأغلب.
والثالث: أنه قال: {وَهُوَ الغفور الرحيم} وهذا أيضًا يدل على قوة جانب الرحمة وحاصل الكلام في هذه الآية أنه سبحانه وتعالى بين أنه منفرد بالخلق والإيجاد والتكوين والإبداع، وأنه لا موجد سواه ولا معبود إلا إياه، ثم نبه على أن الخير مراد بالذات، والشر مراد بالعرض وتحت هذا الباب أسرار عميقة، فهذا ما نقوله في هذه الآية.
المسألة الثانية:
قال المفسرون: إنه تعالى لما بين في الآية الأولى في صفة الأصنام أنها لا تضر ولا تنفع، بين في هذه الآية أنها لا تقدر أيضًا على دفع الضرر الواصل من الغير، وعلى الخير الواصل من الغير.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: {إِن يَمْسَسْكُمْ الله بِضُرّ فَلاَ كاشف لَهُ إِلاَّ هُوَ} يعني بمرض وفقر فلا دافع له إلا هو.
وأما قوله: {وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} فقال الواحدي: هو من المقلوب معناه وإن يرد بك الخير ولكنه لما تعلق كل واحد منهما بالآخر جاز إبدال كل واحد منهما بالآخر، وأقول التقديم في اللفظ يدل على زيادة العناية فقوله: {وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} يدل على أن المقصود هو الإنسان وسائر الخيرات مخلوقة لأجله، فهذه الدقيقة لا تستفاد إلا من هذا التركيب. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {وإن يمسسك الله بضر} الآية مقصد هذه الآية أن الحول والقوة لله، ويبين ذلك للناس بما يحسونه من أنفسهم، والضر لفظ جامع لكل ما يكرهه الإنسان كان ذلك في ماله أو في بدنه، وهذه الآية مظهرة فساد حال الأصنام، لكن كل مميز أدنى ميز يعرف يقينًا أنها لا تكشف ضرًّا ولا تجلب نفعًا، وقوله: {وإن يردك بخير} لفظ تام العموم، وخصص النبي صلى الله عليه وسلم الفقه بالذكر في قوله: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» وهو على جهة التشريف للفقه، وقوله تعالى: {وهو الغفور الرحيم} ترجية وبسط ووعد ما. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ} أي يصبك به.
{فَلاَ كَاشِفَ} أي لا دافع: {لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} أي يصبك برخاء ونعمة: {فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ} أي بكل ما أراد من الخير والشر.
{مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الغفور} لذنوب عباده وخطاياهم: {الرَّحِيمُ} بأوليائه في الآخرة. اهـ.